الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ تَأْوِيلَهُمْ فِيهِ - وَإِنْ أَخْطَئُوا الْحَقَّ - مَأْجُورُونَ أَجْرًا وَاحِدًا : لِقَصْدِهِمْ الْخَيْرَ . وَيَكُونُ مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ قَوْمٌ لَا يُعْذَرُونَ ، وَلَا أَجْرَ لَهُمْ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ نا خَيْثَمَةَ نا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ ، لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ ، سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ ، أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ ، تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَصٌّ جَلِيٌّ بِمَا قُلْنَا ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَذَمَّهُمْ أَشَدَّ الذَّمِّ ، وَأَنَّهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ ، وَأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ . فَصَحَّ أَنَّ أُولَئِكَ أَيْضًا : مُفْتَرِقُونَ ، وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَذْمُومَةَ تَقْتُلُهَا أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الِافْتِرَاقِ تَفَاضُلًا ، وَجَعَلَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ لَهَا دُنُوٌّ مِنْ الْحَقِّ - وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَوْلَى بِهِ - وَلَمْ يَجْعَلْ لِلثَّالِثَةِ شَيْئًا مِنْ الدُّنُوِّ إلَى الْحَقِّ . فَصَحَّ أَنَّ التَّأْوِيلَ يَخْتَلِفُ ، فَأَيُّ طَائِفَةٍ تَأَوَّلَتْ فِي بُغْيَتِهَا طَمْسًا لِشَيْءٍ مِنْ السُّنَّةِ ، كَمَنْ قَامَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ لِيُخْرِجَ الْأَمْرَ عَنْ قُرَيْشٍ ، أَوْ لِيَرُدَّ النَّاسَ إلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الرَّجْمِ ، أَوْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الذُّنُوبِ ، أَوْ اسْتِقْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ قَتْلِ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَإِظْهَارِ الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الْقَدَرِ ، أَوْ إبْطَالِ الرُّؤْيَةِ ، أَوْ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ شَيْئًا إلَّا حَتَّى يَكُونَ ، أَوْ إلَى الْبَرَاءَةِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، أَوْ إبْطَالِ الشَّفَاعَةِ ، أَوْ إلَى إبْطَالِ الْعَمَلِ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا إلَى الرَّدِّ إلَى مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الزَّكَاةِ ، أَوْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ مِنْ مُسْلِمٍ ، أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى : فَهَؤُلَاءِ لَا يُعْذَرُونَ بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تَامَّةٌ . وَأَمَّا مَنْ دَعَا إلَى تَأْوِيلٍ لَا يَحِلُّ بِهِ سُنَّةٌ ، لَكِنْ مِثْلَ تَأْوِيلِ مُعَاوِيَةَ فِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ قَبْلَ الْبَيْعَةِ لِعَلِيٍّ : فَهَذَا يُعْذَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إحَالَةُ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ ، وَإِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ خَاصٌّ فِي قِصَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَتَعَدَّى . وَمِنْ قَامَ لِعَرَضِ دُنْيَا فَقَطْ ، كَمَا فَعَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فِي الْقِيَامِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَكَمَا فَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي الْقِيَامِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَكَمَنْ قَامَ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ ، فَهَؤُلَاءِ لَا يُعْذَرُونَ ، لِأَنَّهُمْ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ أَصْلًا ، وَهُوَ بَغْيٌ مُجَرَّدٌ . وَأَمَّا مَنْ دَعَا إلَى أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ ، وَإِظْهَارِ الْقُرْآنِ ، وَالسُّنَنِ ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ : فَلَيْسَ بَاغِيًا ، بَلْ الْبَاغِي مَنْ خَالَفَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَهَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِظُلْمٍ فَمَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ - سَوَاءٌ أَرَادَهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ - وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنَّ السُّلْطَانَ فِي هَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَلَا يُحَارَبُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَرَادَ ظُلْمًا . كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ رِجَالًا سَأَلُوا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالُوا : أَتَيْنَا الْحَرُورِيَّةَ زَمَانَ كَذَا وَكَذَا ، لَا يَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ مَنْ لَقُوا ؟ فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ تَأَثُّمًا ، وَلَا مِنْ قَتْلِ مَنْ أَرَادَ قِتَالَك إلَّا السُّلْطَانَ ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ نَحْوًا . وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا : السُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى عَامِلٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَهْطَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَلَبِسَ سِلَاحَهُ هُوَ وَمَوَالِيهِ وَغِلْمَتُهُ ، وَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ - مَظْلُومًا - فَهُوَ شَهِيدٌ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، قَالَ : إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ تَيَسَّرَ لِلْقِتَالِ دُونَ الْوَهْطِ ، ثُمَّ قَالَ : مَالِي لَا أُقَاتِلُ دُونَهُ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَبَيْن عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَا كَانَ وَتَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ رَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ - هُوَ ابْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ - إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَوَعَظَهُ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قُتِلَ عَلَى مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ وَبِحَضْرَةِ سَائِرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُرِيدُ قِتَالَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلَ أَخِيهِ مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَمَرَهُ بِقَبْضِ " الْوَهْطِ " وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ أَخْذَهُ مِنْهُ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِيَأْخُذَ ظُلْمًا صُرَاحًا ، لَكِنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ تَأَوَّلَهُ بِلَا شَكٍّ ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ ، وَلَبِسَ السِّلَاحَ لِلْقِتَالِ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَكَذَا جَاءَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَصْحَابِهِمْ : أَنَّ الْخَارِجَةَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا خَرَجَتْ سُئِلُوا عَنْ خُرُوجِهِمْ ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةٌ ظُلِمُوهَا أُنْصِفُوا ، وَإِلَّا دُعُوا إلَى الْفَيْئَةِ ، فَإِنْ فَاءُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا ، وَلَا نَرَى هَذَا إلَّا قَوْلَ مَالِكٍ أَيْضًا . فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَرُدَّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْإِجْهَازِ عَلَى جَرْحَاهُمْ ، وَالْقَوْلُ فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِي الْأُسَرَاءِ سَوَاءً ، لِأَنَّ الْجَرِيحَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَسِيرٌ ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ مُمْتَنِعًا فَهُوَ بَاغٍ كَسَائِرِ أَصْحَابِهِ . وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : لَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ ، وَلَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ - وَكَانَ لَا يَأْخُذُ مَالًا لِمَقْتُولٍ ، يَقُولُ : مَنْ اعْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ جُوَيْبِرٍ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ : سَمِعْت عَمَّارًا بَعْد مَا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ يُنَادِي : لَا تَقْتُلُنَّ مُدْبِرًا وَلَا مُقْبِلًا ، وَلَا تُذَفِّفُوا عَلَى جَرِيحٍ ، وَلَا تَدْخُلُوا دَارًا ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ ، كَالْمَأْسُورِ ، قَدْ قَدَرْنَا أَنْ نُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ بِالْعَدْلِ ، وَهُوَ أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ الْبَغْيِ ، بِأَنْ نُمْسِكَهُ وَلَا نَدَعَهُ يُقَاتِلَ . وَكَذَلِكَ الْجَرِيحُ إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ ، وَنَصُّ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ دَمِ الْأَسِيرِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا إيجَابَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا - نَعْنِي الْبَاغِيَ وَالْمَبْغِيَّ عَلَيْهِ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بَيْنَ حَيَّيْنِ - فَصَحَّ تَحْرِيمُ دَمِ الْأَسِيرِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ بِيَقِينٍ . وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا يُتْبَعُ الْمُدْبِرُ مِنْهُمْ أَصْلًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إنْ كَانُوا تَارِكِينَ لِلْقِتَالِ جُمْلَةً ، مُنْصَرِفِينَ إلَى بُيُوتِهِمْ ، فَلَا يَحِلُّ اتِّبَاعُهُمْ أَصْلًا ، وَإِنْ كَانُوا مُنْحَازِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ لَائِذِينَ بِمَعْقِلٍ يَمْتَنِعُونَ فِيهِ ، أَوْ زَائِلِينَ عَنْ الْغَالِبِينَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى مَكَان يَأْمَنُونَهُمْ فِيهِ لِمَجِيءِ اللَّيْلِ ، أَوْ بِبُعْدِ الشُّقَّةِ ثَمَّ يَعُودُونَ إلَى حَالِهِمْ : فَيُتْبَعُونَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَبِهَذَا نَقُولُ ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْنَا قِتَالَهُمْ حَتَّى يَفِيئُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا فَاءُوا حَرُمَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ وَقِتَالُهُمْ ، فَهُمْ إذَا أَدْبَرُوا تَارِكِينَ لِبَغْيِهِمْ ، رَاجِعِينَ إلَى مَنَازِلِهِمْ ، أَوْ مُتَفَرِّقِينَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ ، فَبِتَرْكِهِمْ الْبَغْيَ صَارُوا فَائِينَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ ، فَإِذَا فَاءُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ ، وَإِذَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ فَلَا وَجْهَ لِاتِّبَاعِهِمْ ، وَلَا شَيْءَ لَنَا عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ . وَأَمَّا إذَا كَانَ إدْبَارُهُمْ لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ غَلَبَةِ أَهْلِ الْحَقِّ - وَهُمْ بَاقُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ - فَقِتَالُهُمْ بَاقٍ عَلَيْنَا بَعْدُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفِيئُوا بَعْدُ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى . فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّلْمَنْكِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا كَوْثَرُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ هَلْ تَدْرِي كَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهَا ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهَا ، وَلَا يُطْلَبُ هَارِبُهَا ، وَلَا يُقَسَّمُ فَيْئُهَا فَإِنَّ كَوْثَرَ بْنَ حَكِيمٍ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ - وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا ؛ لِأَنَّ الْهَارِبَ : هُوَ التَّارِكُ لِمَا هُوَ فِيهِ ، فَأَمَّا الْمُتَخَلِّصُ ؛ لِيَعُودَ فَلَيْسَ هَارِبًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ ؟ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : تُقَسَّمُ أَمْوَالُهُمْ وَتُخَمَّسُ - وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : أَمْوَالُ اللُّصُوصِ الْمُحَارِبِينَ مَغْنُومَةٌ مُخَمَّسَةٌ ، مَا كَانَ مِنْهَا فِي عَسْكَرِهِمْ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ : مَا وُجِدَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ فَإِنَّهُ فَيْءٌ يُقَسَّمُ وَيُخَمَّسُ - وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ : أَمَّا مَا دَامَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ فِي قِتَالِهِمْ بِمَا أُخِذَ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ خَاصَّةً ؛ فَإِذَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي حَالِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا لَمْ يُؤْخَذْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا سِلَاحٌ ، وَلَا كُرَاعٌ ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ - يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَا بَقِيَ مِمَّا قَاتَلُوا بِهِ فِي الْحَرْبِ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُنَا : لَا يَحِلُّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ : لَا سِلَاحٌ ، وَلَا كُرَاعٌ ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ - لَا فِي حَالِ الْحَرْبِ وَلَا بَعْدَهَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ ، بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى . فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابُهُ ، بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ سِلَاحَهُمْ ، وَكُرَاعَهُمْ مَا دَامَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً - فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلًا ، لَا مِنْ قُرْآنٍ ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلَا سَقِيمَةٍ ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلَا إجْمَاعٍ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَالسِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ مَالٌ مِنْ مَالِهِمْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى غَيْرِهِمْ ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كُلِّ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى بَاطِلِهِمْ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا أَصَابُوهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ , فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا : لاَ يُؤَاخَذُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ قَوَدَ فِي الدِّمَاءِ ، وَلاَ دِيَةَ , وَلاَ ضَمَانَ فِيمَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الأَمْوَالِ , إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ قَائِمٌ مِمَّا أَخَذُوهُ فَيُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : إنْ كَانَتْ الْفِئَتَانِ إحْدَاهُمَا بَاغِيَةٌ وَالْأُخْرَى عَادِلَةٌ فِي سَوَادِ الْعَامَّةِ , فَإِمَامُ الْجَمَاعَةِ الْمُصْلِحُ بَيْنَهُمَا يَأْخُذُ مِنْ الْبَاغِيَةِ عَلَى الْأُخْرَى مَا أَصَابَتْ مِنْهَا بِالْقِصَاصِ فِي الْقَتْلَى , وَالْجِرَاحَةِ , كَمَا كَانَ أَمْرُ تَيْنِكَ الْفِئَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَزَلَ فِيهِمَا الْقُرْآنُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْوُلاَةِ. قال أبو محمد رحمه الله : وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ , وَضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا كَغَيْرِهِمْ , فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعُهُ بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى وَطَوْلِهِ فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ : لاَ يُؤَاخَذُونَ بِشَيْءٍ , يَحْتَجُّونَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ : أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا , وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ , وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ , فَتَزَوَّجَتْ فِيهِمْ : ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا ثَانِيَةً فَكَتَبَ إلَيْهِ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ , فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لاَ يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ , إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ إلَى زَوْجِهَا , وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : هَاجَتْ رِيحُ الْفِتْنَةِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ , فَاجْتَمَعَ رَأْيَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقَادُ ، وَلاَ يُودَى مَا أُصِيبُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلاَّ مَا يُوجَدُ بِعَيْنِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا الْتَقَتْ الْفِئَتَانِ فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فَهُوَ هَدَرٌ , أَلاَ تَسْمَعُ إلَى قوله تعالى قال أبو محمد رحمه الله : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا , وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لأََنَّ الزُّهْرِيَّ رحمه الله لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الْفِتْنَةَ ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَهَا بِبِضْعِ عَشْرَةِ سَنَةً وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ كَمَا قَالَ لَمَا كَانَ هَذَا إِلاَّ رَأْيًا مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لاَ نَصًّا ، وَلاَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ , وَلاَ حُجَّةً فِي رَأْيِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ , وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ , وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام , أَوْ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ , وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِاتِّبَاعِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أُولِي الأَمْرِ مِنَّا , وَإِذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْفِتْنَةُ فَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ الْمَاضِينَ بِالْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِينَ , وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ثَلاَثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً , وَعُدُّوا , إذْ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه فَمَا وُجِدَ مِنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ إِلاَّ نَحْوُ مِائَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ , فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ لَوْ صَحَّ , فَكَيْفَ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ أَصْلاً وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَقَدْ أَتَيْتُ الْخَوَارِجَ وَإِنَّهُمْ لاََحَبُّ قَوْمٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ إلَيَّ فَلَمْ أَزَلْ فِيهِمْ حَتَّى اخْتَلَفُوا , فَقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَاتِلْهُمْ , فَقَالَ : لاَ , حَتَّى يَقْتُلُوا , فَمَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ اسْتَنْكَرُوا هَيْئَتَهُ , فَثَارُوا إلَيْهِ , فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ , فَقَالُوا : حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ , وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي , وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَالسَّاعِي فِي النَّارِ قَالَ : فَأَخَذُوهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ فَذَبَحُوهُمَا جَمِيعًا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ دَمَاهُمَا فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : أَقِيدُونِي مِنْ ابْنِ خَبَّابٍ قَالُوا : كُلُّنَا قَتَلْنَاهُ فَحِينَئِذٍ اسْتَحَلَّ قِتَالَهُمْ , فَقَتَلَهُمْ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا أَثَرٌ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الزُّهْرِيِّ , أَوْ مِثْلُهُ , بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَأَى الْقَوَدَ عَلَى الْخَوَارِجِ فِيمَنْ قَتَلُوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ , بِخِلاَفِ مَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ مِنْ إجْمَاعِهِمْ. فَصَحَّ الْخِلاَفُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَبِلاَ شَكٍّ نَدْرِي أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لأََبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ لاَ يُقَاتِلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَتَمُّ فَضْلاً , مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ إجْمَاعٌ لاَ يَصِحُّ عَلَى أَنْ لاَ يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِدَمٍ أَصَابَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ. لاَ بِقَوَدٍ ، وَلاَ بِدِيَةٍ , وَأَنْ لاَ يَضْمَنَ أَحَدٌ مَالاً أَصَابَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ , وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ حُجَّةً يَسُوغُ الأَخْذُ بِمِثْلِ مَا قَالُوا , وَإِنَّمَا رَجَعَ الأَمْرُ فِيمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ إجْمَاعًا إلَى حُكْمِ الْوَالِي , وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ عَلِيًّا , وَالأَشْهَرُ عَنْهُ إيجَابُ الْقَوَدِ كَمَا ذَكَرْنَا , أَوْ مُعَاوِيَةَ , وَإِنَّمَا كَانَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ بِيَدِ عَلِيٍّ لاَ بِيَدِهِ , وَإِنَّمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا مَأْجُورًا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ " بِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَرَى الْأُخْرَى بَاغِيَةً " فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكِلْنَا إلَى رَأْيِ الطَّائِفَتَيْنِ , لَكِنْ أَمَرَ مَنْ صَحَّ عَنْدَهُ بَغْيُ إحْدَاهُمَا بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ , وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ سَعِيدٌ رضي الله عنه لَمَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْمُقَاتَلَةِ مِنْ الْأُخْرَى , وَلَبَطَلَتْ الآيَةُ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْبُغَاةَ كَمَا قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ كَلاَمِنَا ثَلاَثُ أَصْنَافٍ : صِنْفٌ تَأَوَّلُوا تَأْوِيلاً يَخْفَى وَجْهُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , كَمَنْ تَعَلَّقَ بِآيَةٍ خَصَّتْهَا أُخْرَى , أَوْ بِحَدِيثِ قَدْ خَصَّهُ آخَرُ , أَوْ نَسَخَهَا نَصٌّ آخَرُ , فَهَؤُلاَءِ كَمَا قلنا مَعْذُورُونَ , حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ يُخْطِئُ فَيَقْتُلُ مُجْتَهِدًا , أَوْ يُتْلِفُ مَالاً مُجْتَهِدًا , أَوْ يَقْضِي فِي فَرْجٍ خَطَأً مُجْتَهِدًا , وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ , فَفِي الدَّمِ دِيَةٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ , لاَ عَلَى الْبَاغِي , وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلُّ مَنْ أَتْلَفَهُ , وَنَسَخَ كُلَّ مَا حَكَمُوا بِهِ , وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْءِ فَرْجٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ وَهَكَذَا أَيْضًا مَنْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلاً خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ بِجَهَالَةٍ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ، وَلاَ بَلَغَتْهُ. وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلاً فَاسِدًا لاَ يُعْذَرُ فِيهِ , لَكِنْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَفَهِمَهَا , وَتَأَوَّلَ تَأْوِيلاً يَسُوغُ , وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَعَنَدَ , فَعَلَى مَنْ قَتَلَ هَكَذَا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا , وَالْحَدُّ فِيمَا أَصَابَ بِوَطْءٍ حَرَامٍ , وَضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالٍ. وَهَكَذَا مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ دُنْيَا مُجَرَّدًا بِلاَ تَأْوِيلٍ , وَلاَ يُعْذَرُ هَذَا أَصْلاً ; لأََنَّهُ عَامِدٌ لِمَا يَدْرِي أَنَّهُ حَرَامٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا مِنْ قَامَ عَصَبِيَّةً ، وَلاَ فَرْقَ وَقَدْ تَكُونُ الْفِئَتَانِ بَاغِيَتَيْنِ إذَا قَامَتَا مَعًا فِي بَاطِلٍ , فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوَدُ أَيْضًا عَلَى الْقَاتِلِ , مِنْ أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُحَارِبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قال أبو محمد رحمه الله : وَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ فِي كُلِّ هَذَا فَصْلاً فَصْلاً : أَمَّا قَوْلُنَا : مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ ، وَلاَ حَدَّ , فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ خَاصَّةً فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ " وَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ني سَعِيدٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُول : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ مُتَأَوِّلِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَبَلَغَهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَهْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ الْعِنَادُ وَالتَّعَلُّقُ : إمَّا بِتَقْلِيدٍ مُجَرَّدٍ , أَوْ بِرَأْيٍ مُفْرَدٍ أَوْ بِقِيَاسٍ , فَلَيْسَ مَعْذُورًا أَوْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ , وَضَمَانُ مَا أَتْلَفَ , وَالْحَدُّ فِي الْفَرْجِ ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَأَمَّا مَنْ قَتَلُوهُ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : إنَّهُ شَهِيدٌ فَلاَ يُغَسَّلُ ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ , لَكِنْ يُدْفَنُ كَمَا هُوَ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ ; لأََنَّهُمْ , وَإِنْ كَانُوا شُهَدَاءَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالاَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ، هُوَ ابْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلِمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قال أبو محمد رحمه الله : فَصَحَّ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّمَا قُتِلَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ , فَهُوَ فِي ظَاهِرِ الأَمْرِ شَهِيدٌ , وَلَيْسَ كُلُّ شَهِيدٍ يُدْفَنُ دُونَ غُسْلٍ ، وَلاَ صَلاَةٍ. وَقَدْ صَحَّ : أَنَّ الْمَبْطُونَ شَهِيدٌ , وَالْمَطْعُونَ شَهِيدٌ , وَالْغَرِيقَ شَهِيدٌ , وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ , وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمَعٍ شَهِيدٌ , وَصَاحِبَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. وَالأَصْلُ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ , إِلاَّ مَنْ خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ , وَلاَ نَصَّ , وَلاَ إجْمَاعَ , إِلاَّ فِيمَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فِي الْمُعْتَرَكِ وَمَاتَ فِي مَصْرَعِهِ فَهَؤُلاَءِ هُمْ الَّذِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَمَّلُوا بِدِمَائِهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيُدْفَنُوا كَمَا هُمْ دُونَ غُسْلٍ ، وَلاَ تَكْفِينٍ ، وَلاَ يَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ صَلاَةٌ , فَبَقِيَ سَائِرُ الشُّهَدَاءِ , وَالْمَوْتَى , عَلَى حُكْمِ الإِسْلاَمِ فِي الْغُسْلِ , وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلاَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : قَالَ قَائِلُونَ : لاَ يَحِلُّ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُ أَبِيهِ , أَوْ أَخِيهِ , أَوْ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عَمْدًا , لَكِنْ إنْ ضَرَبَهُ لِيَصِيرَ بِذَلِكَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ , فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد رحمه الله : وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا , فَإِنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةَ الرَّحِمِ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلاَ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ طَاعَةَ لأََحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ ابْنًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ , وَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ كَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى فأما إذَا رَأَى الْعَادِلُ أَبَاهُ الْبَاغِيَ , أَوْ جَدَّهُ , يَقْصِدُ إلَى مُسْلِمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ , أَوْ ظُلْمَهُ , فَفَرْضٌ عَلَى الأَبْنِ حِينَئِذٍ أَنْ لاَ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهِ عَنْهُ , وَفَرْضٌ عَلَيْهِ دَفْعُهُ عَنْ الْمُسْلِمِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ قَتْلُ الأَبِ , وَالْجَدِّ , وَالْأُمِّ. برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ : أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ عِيَادَةَ الْمَرَضِ , وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ , وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ , وَرَدَّ السَّلاَمِ , وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ , وَإِجَابَةَ الدَّاعِي , وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا , قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَمْنَعُهُ , تَأْخُذُ فَوْقَ يَدِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يُسْلِمَ الْمَرْءُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لِظُلْمِ ظَالِمٍ , وَأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ يَدِ كُلِّ ظَالِمٍ , وَأَنْ يَنْصُرَ كُلَّ مَظْلُومٍ , فَإِذَا رَأَى الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْبَاغِيَ , أَوْ ذَا رَحِمِهِ كَذَلِكَ يُرِيدُ ظُلْمَ مُسْلِمٍ , أَوْ ذِمِّيٍّ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ , بِكُلِّ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ إِلاَّ بِهِ مِنْ قِتَالٍ أَوْ قَتْلٍ , فَمَا دُونَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِحْسَانَ إلَى الأَبَوَيْنِ , وَأَنْ لاَ يُنْهَرَا , وَأَنْ يُخْفَضَ لَهُمَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ , فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. وَهَكَذَا نَقُولُ : أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ أَوْ أُمٌّ كَافِرَةٌ , أَنْ يُهْدِيَهُمَا إلَى طَرِيقِ الْكَنِيسَةِ , وَلاَ أَنْ يَحْمِلَهُمَا إلَيْهَا , وَلاَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمَا قُرْبَانًا , وَلاَ أَنْ يَسْعَى لَهُمَا فِي خَمْرٍ لِشَرِيعَتِهِمَا الْفَاسِدَةِ , وَلاَ أَنْ يُعِينَهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زِنًى , أَوْ سَرِقَةٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَأَنْ لاَ يَدَعَهُ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَأَمَّا الْفِئَتَانِ الْبَاغِيَتَانِ مَعًا فَلاَ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ إِلاَّ مَنْعُهُمَا وَقِتَالُهُمْ جَمِيعًا ; لأََنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَاغِيَةٌ عَلَى الْأُخْرَى , فَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَسِعَتْهُ التَّقِيَّةُ وَأَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلَهُ , وَمَسْجِدَهُ , وَمَعَاشَهُ , وَلاَ مَزِيدَ , وَكِلاَهُمَا لاَ يَدْعُو إلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ , وَحَتَّى إنْ كَانَ أَخَاهُ لأََبِيهِ وَأُمِّهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : هَذَا مَا ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ : مِنْهَا : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يُشِرْ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ قَالَ : سَمِعْت رِبْعِيًّا ، هُوَ ابْنُ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَشَارَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ فَهُمَا عَلَى حَرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَهُ خَرَّا فِيهَا جَمِيعًا. فَهَذِهِ صِفَةُ الطَّائِفَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بَاغِيَتَيْنِ , وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا مَعًا عَادِلَتَيْنِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَإِنَّمَا قلنا : أَنْ يُقَادَ لِلْبَاغِي إذَا قُوتِلَ لِيَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَطْ , وَلَمْ نُحِلَّهُ بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ , فَمَنْ قَتَلَ بَاغِيًا لِيَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَتَلَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا فِي الْحَرْبِ , أَوْ عَقَرَ تَحْتَهُ فَرَسًا , أَوْ أَفْسَدَ لَهُ لِبَاسًا فِي الْمُضَارَبَةِ , فَلاَ ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَمَنْ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ , وَمَنْ أَحْسَنَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , لقوله تعالى اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ حَاشَا الطَّحَاوِيَّ أَنَّهُ مَا حَكَمَ بِهِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ فَلاَ يَجُوزُ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ , وَلاَ أَنْ يَقْبَلَ كِتَابَهُ قَالُوا : وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ صَدَقَةٍ فَلاَ يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ ثَانِيَةً , لَكِنَّ الأَفْضَلَ لِمَنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى. قَالُوا : وَأَمَّا مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ التُّجَّارِ فَعَشَّرُوهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُهُ ثَانِيَةً مِنْ التُّجَّارِ. وقال الشافعي : يَنْفُذُ كُلُّ قَضِيَّةٍ قَضَوْهَا إذَا وَافَقَتْ الْحَقَّ , وَيَجْزِي مَا أَخَذُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ , وَمَا أَقَامُوا مِنْ الْحُدُودِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا لاَ يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ قَضَايَاهُمْ , وَلاَ بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا ، وَلاَ يُجْزِئُ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ , وَلاَ مَا أَقَامُوا مِنْ الْحُدُودِ , وَلاَ بُدَّ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ , وَمِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ ثَانِيَةً. قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنْ قَالُوا : إنَّ أَخْذَ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا جَاءَ التَّضْيِيعُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُمْ , وَأَمَّا مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ فَقَدْ عَرَّضَ مَالَهُ لِلتَّلَفِ قال أبو محمد رحمه الله : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرً هَذَا وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنَّ تَضْيِيعَ الْإِمَامِ يُسْقِطُ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا فَكَمَا أَخَذُوا الْعُشْرَ ثَانِيَةً مِمَّنْ جَعَلُوا ذَنْبَهُ أَنَّهُ عَرَّضَ مَالَهُ لِلتَّلَفِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ ثَانِيَةً , وَيَجْعَلُوا ذَنْبَ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ عَرَّضُوا أَمْوَالَهُمْ لِلتَّلَفِ , فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ الْهَرَبُ عَنْ مَوْضِعِ الْبُغَاةِ , أَوْ يُعَذِّرُوا الْمُعَشِّرِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ; وَإِذَا أَخَذُوا الزَّكَاةَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى , وَأَقَامُوا الْحُدُودَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى , فَقَدْ تَأَدَّى كُلُّ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى , وَإِذَا تَأَدَّى كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ ثَانِيَةً , فَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا. وقال بعضهم : كَمَا لاَ يُؤَاخَذُونَ بِمَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ , فَكَذَلِكَ لاَ يُؤَاخَذُونَ هُمْ ، وَلاَ غَيْرُهُمْ بِمَا حَكَمُوا أَوْ أَقَامُوا مَنْ حَدٍّ , أَوْ أَخَذُوا مِنْ مَالِ صَدَقَةٍ , أَوْ غَيْرِهَا بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ ، وَلاَ فَرْقَ. قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا , وَذَلِكَ أَنَّنَا نَسْأَلُهُمْ , فَنَقُولُ لَهُمْ : مَاذَا تَقُولُونَ : إذَا كَانَ الْإِمَامُ حَاضِرًا مُمَكَّنًا عَدْلاً , أَيَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةً دُونَهُ , أَوْ يُقِيمَ حَدًّا دُونَهُ , أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دُونَهُ , أَمْ لاَ يَحِلُّ ذَلِكَ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَإِنْ قَالُوا : هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ : خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ , وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ , وَأَبْطَلُوا الأَمَانَةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَأَوْجَبُوا أَنْ لاَ حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَى إمَامٍ وَهَذَا خِلاَفُ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ. وَإِنْ قَالُوا : بَلْ لاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا دَامَ الْإِمَامُ قَائِمًا فَقَدْ صَحَّ أَنْ لاَ يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا إِلاَّ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْحُكْمَ , وَلاَ أَنْ يَكُونَ آخِذًا لِلْحُدُودِ إِلاَّ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ , وَلاَ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا إِلاَّ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ أَخْذَهَا , فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَقَامَ حَدًّا , أَوْ أَخَذَ صَدَقَةً , أَوْ قَضَى قَضِيَّةً , وَلَيْسَ مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ , فَلَمْ يَحْكُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ أَقَامَ الْحَدَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ أَخَذَ الصَّدَقَةَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ; فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أُمِرَ , فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ , وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِحَقٍّ , فَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ , وَإِذْ فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ تَعَدَّى ; وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَإِذْ هُوَ ظُلْمٌ , فَالظُّلْمُ لاَ حُكْمَ لَهُ إِلاَّ رَدُّهُ وَنَقْضُهُ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً فَعَلَيْهِ رَدُّهَا ; لأََنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ , فَهُوَ مُتَعَدٍّ , فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَخَذَ , إِلاَّ أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِمْ فَقَدْ تَأَدَّتْ الزَّكَاةُ إلَى أَهْلِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ حَدٍّ أَقَامُوهُ فَهُوَ مَظْلَمَةٌ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ , وَتُعَادُ الْحُدُودُ ثَانِيَةً ، وَلاَ بُدَّ , وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِ مَنْ قَتَلُوهُ قَوَدًا , وَأَنْ يُفْسَخَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمُوهُ ، وَلاَ بُدَّ. وَيُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ إدْرِيسَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عِجْلاَنَ , وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , كُلُّهُمْ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ , قَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ , وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا , وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ , وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا , لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ ثنا غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَرْفَجَةَ , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ , كَائِنًا مَنْ كَانَ. قال أبو محمد رحمه الله : فَصَحَّ أَنَّ لِهَذَا الأَمْرِ أَهْلاً لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُمْ إيَّاهُ , وَأَنَّ تَفْرِيقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا لاَ يَحِلُّ. فَصَحَّ أَنَّ الْمُنَازِعِينَ فِي الْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ مَرِيدُونَ تَفْرِيقَ جَمَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ , وَأَنَّهُمْ مُنَازِعُونَ أَهْلَ الأَمْرِ أَمْرَهُمْ , فَهُمْ عُصَاةٌ بِكُلِّ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ عُصَاةٌ فِي مُنَازَعَتِهِمْ الْإِمَامَ الْوَاجِبَ الطَّاعَةَ , وَإِذْ هُمْ فِيهِ عُصَاةٌ , فَكُلُّ حُكْمٍ حَكَمُوهُ مِمَّا هُوَ إلَى إمَامٍ , وَكُلُّ زَكَاةٍ قَبَضُوهَا مِمَّا قَبْضُهَا إلَى الْإِمَامِ , وَكُلُّ حَدٍّ أَقَامُوهُ مِمَّا إقَامَتُهُ إلَى الْإِمَامِ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ طَاعَتِهِ , وَأَنْ يُجْزِيَ الظُّلْمُ عَنْ الْعَدْلِ , وَأَنْ يَقُومَ الْبَاطِلُ مَقَامَ الْحَقِّ , وَأَنْ يُغْنِيَ الْعُدْوَانُ عَنْ الْإِنْصَافِ. فَصَحَّ مَا قلنا نَصًّا وَوَجَبَ رَدُّ كُلِّ مَا عَمِلُوا مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إمَامٌ مُمَكَّنٌ فَقَدْ قلنا : إنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ بِالْحَقِّ حِينَئِذٍ فَهُوَ نَافِذٌ , فَالْبُغَاةُ إنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَا فَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَافِذٌ وَأَمَّا إنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلاَ يَنْفُذُ مِنْ حُكْمِ الْكَافِرِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِحَرْبِيٍّ , وَلاَ بِذِمِّيٍّ , وَلاَ بِمَنْ يَسْتَحِلُّ قِتَالَهُمْ , مُدْبِرِينَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ , وَبِأَهْلِ الذِّمَّةِ , وَبِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّنَا لاَ نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ وَهَذَا عُمُومٌ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ فِي وِلاَيَةٍ , أَوْ قِتَالٍ , أَوْ شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ , إِلاَّ مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الأَسْتِعَانَةِ بِهِ فِيهِ : كَخِدْمَةِ الدَّابَّةِ , أَوْ الأَسْتِئْجَارِ , أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَخْرُجُونَ فِيهِ عَنْ الصَّغَارِ. وَالْمُشْرِكُ : اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ. قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا عِنْدَنَا مَا دَامَ فِي أَهْلِ الْعَدْلِ مَنَعَةٌ فَإِنْ أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَكَةِ وَاضْطُرُّوا وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حِيلَةٌ , فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَلْجَئُوا إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ , وَأَنْ يَمْتَنِعُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ , مَا أَيَقَنُو أَنَّهُمْ فِي اسْتِنْصَارِهِمْ : لاَ يُؤْذُونَ مُسْلِمًا ، وَلاَ ذِمِّيًّا فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حُرْمَةٍ مِمَّا لاَ يَحِلُّ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى برهان هَذَا : أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ ظُلْمًا عَنْ نَفْسِهِ بِظُلْمٍ يُوصِلُهُ إلَى غَيْرِهِ هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَأَمَّا الأَسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِبُغَاةٍ أَمْثَالِهِمْ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا وَإِنْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَضْرِبَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ , حَتَّى يُقَاتِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , وَيَدْخُلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِهِمْ إلَى أَذَى غَيْرِهِمْ , بِذَلِكَ حَسَنٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ بِقَوْمٍ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ رَاشِدٍ ثنا أَبُو الْيَمَانِ ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ. وَ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا رِيَاحُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا يُبِيحُ الأَسْتِعَانَةَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ بِأَمْثَالِهِمْ , وَعَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْفُجَّارِ الَّذِينَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَاسِقَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ , وَمِنْ دَفْعِ أَهْلِ الْبَغْيِ , كَاَلَّذِي اُفْتُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْفَاضِلِ , فَلاَ يَحِلُّ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ , بَلْ الْفَرْضُ أَنْ يَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ فِي الْحَرْبِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ , ثُمَّ قَالَ : حَسِبْتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ , فَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُمْكِنًا , فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ , ثُمَّ يَضْمَنُ دِيَتَهُ فِي مَالِهِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ خَطَأً بَلْ قَتَلَهُ عَمْدًا قَصْدًا إلَى قَتْلِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حَرَامُ الدَّمِ , فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَا قَالَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ , أَوْ الدِّيَةُ بِاخْتِيَارِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ سَوَاءً سَوَاءً , إذَا قَتَلَهُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ , وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَ إلَيْنَا بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ : إنِّي ظَنَنْتُهُ دَخَلَ لِيَطْلُبَ غِرَّةً , فَإِنْ نَكَلَ هَؤُلاَءِ عَنْ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّ الْيَمِينَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ , وَلاَ قَوَدَ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ مِنْ التَّعَمُّدِ وَهُمْ عَالِمُونَ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابَهُ : إذَا كَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالسُّنَّةِ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ , فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَمْدًا , وَجَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَمْدًا , وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ عَمْدًا , فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ : لاَ قَوَدَ , وَلاَ دِيَةَ غَلَبَ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ : أَوْ لَمْ يَغْلِبُوا قال أبو محمد رحمه الله : مَا لِهَذَا الْقَوْلِ جَوَابٌ إِلاَّ أَنَّهُ حُكْمُ إبْلِيسَ , وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي كَيْفَ انْشَرَحَتْ نَفْسُ مُسْلِمٍ لأَعْتِقَادِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُعَانِدِ لِلَّهِ تَعَالَى , وَلِرَسُولِهِ عليه السلام , أَوْ كَيْفَ انْطَلَقَ لِسَانُ مُؤْمِنٍ يَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ وَنَهَاهُ بِهَذَا الْقَوْلِ السَّخِيفِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى عَافِيَةً شَامِلَةً كَأَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَسْمَعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ , وَالْجِرَاحِ , وَمِنْ تَحْرِيمِ الأَمْوَالِ , فِي الْقُرْآنِ , وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا قَوْلٌ مَا نَعْلَمُ فِيهِ لأََبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا : لاَ مِنْ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ تَابِعٍ , وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ , فَإِنَّمَا مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : كَمَا ثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَذَكَرَ قَتْلَ عُمَرَ , قَالَ : فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَلَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبَةً قَطُّ , قَالَ : حِينَ قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ انْتَهَيْتُ إلَى الْهُرْمُزَانِ , وَجُفَيْنَةَ , وَأَبِي لُؤْلُؤَةَ وَهُمْ بِحَيٍّ فَتَبِعْتُهُمْ فَثَارُوا وَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خَنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَانْظُرُوا بِمَا قُتِلَ بِهِ عُمَرُ فَوَجَدُوهُ خِنْجَرًا عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ , فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُشْتَمِلاً عَلَى السَّيْفِ حَتَّى أَتَى الْهُرْمُزَانَ فَقَالَ : اصْحَبْنِي نَنْظُرُ إلَى فَرَسٍ لِي وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ بَصِيرًا بِالْخَيْلِ فَخَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَعَلاَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ , فَلَمَّا وَجَدَ حَدَّ السَّيْفِ قَالَ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلاَهُ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ فَصَلَبَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ أَتَى ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ جَارِيَةً صَغِيرَةً تَدَّعِي الإِسْلاَمَ فَقَتَلَهَا , فَأَظْلَمَتْ الأَرْضُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا. ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ : وَاَللَّهِ لاَ أَتْرُكُ فِي الْمَدِينَةِ سَبْيًا إِلاَّ قَتَلْته وَغَيْرَهُمْ كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ , فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ : أَلْقِ السَّيْفَ , فَأَبَى وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ : أَعْطِنِي السَّيْفَ يَا ابْنَ أَخِي فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ , ثُمَّ ثَارَ إلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ , فَتَنَاصَبَا حَتَّى حَجَزَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ قَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مَا فَتَقَ يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ أَنْ يَقْتُلَهُ , وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ : قُتِلَ عُمَرَ بِالأَمْسِ وَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ , أَبْعَدَ اللَّهُ الْهُرْمُزَانَ , وَجُفَيْنَةَ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاك أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ وَلَك عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ , إنَّمَا كَانَ هَذَا الأَمْرُ ، وَلاَ سُلْطَانَ لَك , فَاصْفَحْ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرٍو , وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : فَيَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ أَنْ كَانَتْ لِمَنْ شَيَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ , وَجُفَيْنَةَ قَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ : قَالَ عُثْمَانُ : أَنَا وَلِيُّ الْهُرْمُزَانِ , وَجُفَيْنَةَ , وَالْجَارِيَةِ , وَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا دِيَةً. قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ لاَ يَحْضُرُنِي الآنَ ذِكْرُهُ : أَنَّ عُثْمَانَ أَقَادَ وَلَدَ الْهُرْمُزَانِ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَأَنَّ وَلَدَ الْهُرْمُزَانِ عَفَا عَنْهُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ; لأََنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ قَتَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ , وَلاَ فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ بَاغٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ يُعْرَفُ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ , وَمَحَلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَصِحَّةِ الْأُلْفَةِ , وَفِي أَفْضَلِ عِصَابَةٍ وَأَعْدَلِهَا. وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مَنْ قَتَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِإِهْدَارِ الْقَوَدِ عَمَّنْ قَتَلَ فِي الْجَمَاعَةِ بَيْنَ مَوْتِ إمَامٍ وَوِلاَيَةِ آخَرَ , فَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ : أَنَّ عُثْمَانَ جَعَلَهَا دِيَةً وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ دِيَةً , وَالْوَاجِبُ أَنْ نَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَمَا نَحْكُمُ فِي مَحَلَّةِ الْجَمَاعَةِ ، وَلاَ فَرْقَ ; لأََنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي كُلِّ مَكَان , وَكُلَّ زَمَانٍ , وَعَلَى كُلِّ لِسَانٍ , وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَابِ الْقَوَدِ , وَأَخْذِ الْحُدُودِ , وَضَمَانِ الأَمْوَالِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ , وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانِ , وَسَائِرِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ مَكَانًا دُونَ مَكَان , وَلاَ زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ , وَلاَ حَالاً دُونَ حَالٍ , وَلاَ أُمَّةً دُونَ أُمَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَلَوْ كَانَ فِي الْبَاغِينَ غُلاَمٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَاتَلاَ دُوفِعَا , فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِمَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَهُمَا هَدَرٌ ; لأََنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَهُ مُرِيدٌ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الضُّرَّ كَيْفَ أَمْكَنَهُ ، وَلاَ دِيَةَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ قَوَدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ سَأَلُوا النَّظْرَةَ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أُمُورِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَكِيدَةً , فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْظِرَهُمْ مُدَّةً يُمْكِنُ فِي مِثْلِهَا النَّظَرُ فَقَطْ وَهَذَا مِقْدَارُ الدُّعَاءِ , وَبَيَانُ الْحُجَّةِ فَقَطْ , وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا فَإِنَّ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ إنْفَاذُ الْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ وَتَأْمِينُ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِهِمْ , وَأَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِالأَفْتِرَاقِ إلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا سَأَلْنَاهُ : مَاذَا يَقُولُ , إنْ اسْتَنْظَرُوهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً , وَهَكَذَا نَزِيدُهُ سَاعَةً سَاعَةً , وَيَوْمًا يَوْمًا حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ أَعْمَارِهِمْ , وَفِي هَذَا إهْلاَكُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالأَشْتِغَالُ بِالتَّحَفُّظِ عَنْهُمْ , كَمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِيهِ , فَإِنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَاضَى قُرَيْشًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلاَثًا وَجَعَلَ أَجَلَ الْمُصَرَّاةِ ثَلاَثًا , وَخِيَارَ الْمَخْدُوعِ فِي الْبَيْعِ ثَلاَثًا , وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَّلَ ثَمُودَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ قلنا لَهُمْ : نَعَمْ , هَذَا حَقٌّ , وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَجَلَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , وَأَجَلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ هَذِهِ الأَعْذَارِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , فَكَانَ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , فَهُوَ الْحَقُّ , وَكَانَ مَا أَرَادَهُ مُرِيدٌ أَنْ يَزِيدَهُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِرَأْيِهِ وَقِيَاسِهِ فَهُوَ الْبَاطِلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ تَحَصَّنَ الْبُغَاةُ فِي حِصْنٍ فِيهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ , فَلاَ يَحِلُّ قَطْعُ الْمِيرِ عَنْهُمْ , لَكِنْ يُطْلَقُ لَهُمْ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَطْ , وَيُمْنَعُونَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَجَائِزٌ قِتَالُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالرَّمْيِ , وَلاَ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ مَنْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ , وَلاَ بِتَغْرِيقٍ يُغْرِقُهُمْ كَذَلِكَ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلاَّ الْبُغَاةُ فَقَطْ فَفَرْضٌ أَنْ يُمْنَعُوا الْمَاءَ وَالطَّعَامَ حَتَّى يَنْزِلُوا إلَى الْحَقِّ , وَإِلَّا فَهُمْ قَاتِلُو أَنْفُسِهِمْ بِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْحَقِّ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تُوقَدَ النِّيرَانُ حَوَالَيْهِمْ , وَيُتْرَكُ لَهُمْ مَكَانٌ يَتَخَلَّصُونَ مِنْهُ إلَى عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَقِّ ; لأََنَّ هَذِهِ نَارٌ أَوْقَدْنَاهَا , وَمَا أَطْلَقْنَاهُ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْخَلاَصِ مِنْهَا إنْ أَحَبُّوا ، وَلاَ يَحِلُّ إحْرَاقُهُمْ , وَلاَ تَغْرِيقُهُمْ دُونَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْمُقَاتَلَةِ فَقَطْ. وَلاَ يَحِلُّ بِأَنْ يَبِيتُوا إِلاَّ بِأَنْ نَقْبِضَ عَلَيْهِمْ , وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : قَالَ قَوْمٌ : إنَّ أَمَانَ الْعَبْدِ , وَالْمَرْأَةِ , وَالرَّجُلِ الْحُرِّ جَائِزٌ لأََهْلِ الْبَغْيِ. وَهَذَا عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لأََنَّ أَمَانَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَيْدِيهِمْ , مَتَى تَرَكُوا الْقِتَالَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ , وَكَانُوا إخْوَانَنَا , وَمَا دَامُوا مُقَاتِلِينَ بَاغِينَ فَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إعْطَاؤُهُمْ الأَمَانَ عَلَى ذَلِكَ , فَالأَمَانُ وَالْإِجَارَةُ هَاهُنَا هَدَرٌ وَلَغْوٌ , وَإِنَّمَا الأَمَانُ وَالْإِجَارَةُ لِلْكَافِرِ الَّذِي يَحِلُّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ إذَا أَسَرُوهُ وَاسْتِبْقَاؤُهُ , لاَ فِي مُسْلِمٍ إنْ تَرَكَ بَغْيَهُ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يُعْطَى الأَمَانَ وَيُجَارُ. وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَجَارَ كَافِرًا جَازَتْ إجَارَتُهُ , كَإِجَارَةِ غَيْرِهِ , وَلاَ فَرْقَ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ دَخَلُوا غُزَاةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَوَافَقُوا أَهْلَ الْعَدْلِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ فَغَنِمُوا , فَالْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ ; لأََنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُسْلِمُونَ. وَمَنْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قَتِيلاً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَلَبُهُ ; لأََنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ. وَلَوْ تُرِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ , وَأَهْلُ الْمُحَارَبَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْل الْبَغْيِ , فَفَرْضٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ , وَعَلَى الْإِمَامِ عَوْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْقَاذُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ , وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ; لأََنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَأَمَّا أَهْلُ الْمُحَارَبَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ ظُلْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ , وَالْمَنْعُ مِنْ الظُّلْمِ وَاجِبٌ قَالَ اللَّه تَعَالَى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَإِنْ قَتَلُوا رَهْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَحِلَّ لَنَا قَتْلُ رَهْنِهِمْ ; لأََنَّهُمْ مُسْلِمُونَ غَيْرُ مُقَاتِلِينَ , وَلَمْ يَقْتُلُوا لَنَا أَحَدًا وَإِنَّمَا قَتَلَ الرَّهْنَ غَيْرُهُمْ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
|